ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

التوبة هي النَّدم الصادق على إرتكاب المعصية

11:51 - January 25, 2023
رمز الخبر: 3489663
بيروت ـ إکنا: التوبة وهي النَّدم الصادق على ارتكاب المعصية، والعزم الأكيد على عدم فعلها مرة أخرى، والرجوع إلى صِراط الله بعد الانحراف عنه، وهي واجبة وجوباً فورياً على كل مُكَلَّف.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "التَّوْبَةُ مَمْحاةٌ"

إنها التوبة وهي النَّدم الصادق على ارتكاب المعصية، والعزم الأكيد على عدم فعلها مرة أخرى، والرجوع إلى صِراط الله بعد الانحراف عنه، وهي واجبة وجوباً فورياً على كل مُكَلَّفٍ، والعِلَّة في وجوب المُسارعة إليها أنها إن لم تحصل فإن آثار المعصية ستمكث في النفس، فتدعوها إلى فعلها مرة أخرى، وهكذا حتى يعتاد الشخص عليها، فتتملكه وتستبِدّ به وعندئذٍ سيصعب عليه أن يُقلع عنها، فكما تجِبُ المُسارعة إلى عِلاج البَدن مِن الجراثيم والأمراض قبل استفحالها، وضعف مناعته عن مكافحتها، كذلك تجِب المبادرة إلى تصفية النفس بالتوبة، وتطهيرها مِن آثار الذنوب ودنَس الآثام قبل تفاقم غوائلها، وعُسرِ تداركها.

ولهذا دعا القرآن الكريم إلى المُسارعة إلى التوبة وعدم التسويف فيها، قال تعالى: "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا"*﴿17/ النساء﴾.

فالتوبة التي تنتج آثارها في النفس هي التي يسارع الإنسان إليها بعد ارتكابه الذنب واجتراحه السيئة، هذه هي التي يقبلها الله، المسارعة إليها تدل على أن الندم قد هزَّها من الأعماق حتى استفاقت فثابت ورجعت، واستجَدَّت فيها الرغبة في التَّطَهُّر، والنية الصادقة في السير على الصراط من جديد، فهي إذاً نشأة جديدة للنفس، ويقظة أكيدة للضمير، فهذا الشخص يقبل الله توبته، فيمنحه فرصة أخرى ليرجع إلى الخير والصلاح، ولا يطرده بعيداً بعد أن عزم بصدق على الرجوع إلى كنفه الرحيم وحِماه الآمن.

وقد حَثَّ القرآن الكريم على التوبة في الكثير من آياته الكريمة منها قوله تعالى: *"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"*﴿8/ التحريم﴾.

ولا ريب في أَنَّ الله تعالى لا يدعونا إلى التَّوبة إلا لأنه يريد لنا أن نرجع إلى الصراط المستقيم، كي تستوي حياتنا المعنوية والمادية، ومن ثم فهو يقبلها منا حين نتوب، ولا يطردنا من بابه متى تِبنا وأنبنا، فالتوبة باب الله المفتوح الذي يلجه الشاردون التائهون، فيستردون أنفسهم من تيه الضلال.

ولا يقتصر كرم الله على قبول التوبة، بل إنه تعالى يُحبُّ التائب المُتَطَهِّر، قال سبحانه: "...إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"*﴿222/ البقرة﴾.

وفي الآية الكريمة ردٌّ على أولئك الذين يستمِرُّون على انحرافهم وضلالهم وارتكابهم الذنوب والمعاصي، بدعوى أن الله لن يقبل توبتهم بعد كل ما فعلوه، فيوصدون على أنفسهم أبواب الصلاح، فالله تعالى يقول لهم: إني لا أقبل توبتكم وأعينكم عليها وحسب، بل إني لأحبكم زيادة على ذلك، فلا تسمحوا لهذا اللَّون من التفكير الخاطئ أن يصُدَّكم عني وعن محبتي، وكيف لأحد أن يُقنع نفسه بعدم قبول الله توبته والله تعالى يقول: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"*﴿53/ الزُّمُر﴾. ولا تتحقَّقُ التوبة إلا إذا تيقَّظَ ضمير الإنسان، ولامَتْه نفسُه اللوامة، وشعر بالأسى والندم على ما كان منه، ثم يعزم بعد ذلك عزما صادقاً على الإقلاع عن معصيته والرجوع إلى صراط الله، ثم يعمل على تصفية نفسه وتنقيتها من رواسب ذنوبه ومعاصيه، ومعالجة سيئاتها وآثارها بالعمل الصالح والاستزادة من الحسنات التي تُجْلي النفس وتطهّرها من السيئات، وبذلك تتم التوبة الصادقة النصوح، فتمحو ما كان كأن لم يكن.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha