ایکنا

IQNA

الإمام الصدر كان سباقاً إلى تعزيز روابط الأخوة بين الرسالات السماوية

13:07 - September 01, 2021
رمز الخبر: 3482369
يبدو أن الإمام السيد موسى الصدر كان سباقًا إلى تعزيز روابط الأخوة بين الرسالات السماوية وتجلى ذلك من خلال أقواله عن المسيحية وهو العارف بها والملمُ بكتابها وبحياة السيد المسيح(ع) وتعاليمه وهذه خطوة لا بدّ منها للحوار.

"بسم الله الرحمن الرحيم

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

الأخوّة هي الرابط الانساني الذي  يقوم على منهج الرسالات السماوية ، ينبثق من التقوى ويرتكز على الاعتصام بحبل الكتب السماوية.

والأخوة الانسانية منحة قدسية، وإشراقة ربّانية، ونعمة إلهية.. يغدقها الله عزّ وجلّ على قلوب المخلصين من عباده، والأصفياء من أوليائه والأتقياء من خلقه الذين علم منهم صدق إيمانهم وعميق إخلاصهم.. إنها قوة إيمانية نفسية تورث الشعور العميق بالمحبة والعاطفة والاحترام، والثقة المتبادلة بين الذين تربطهم أواصر العقيدة الانسانية، ووشائج الإيمان والتقوى.. فهذا الشعور الأخوي الصادق يولد في نفس المؤمن أصدق العواطف النبيلة، وأخلص المشاعر الصادقة.. في اتخاذ مواقف إيجابية: من المحبة والإيثار، والرحمة والعفو، والتعاون والتكافل.. وفي اتخاذ مواقف سلبية، من الابتعاد عن كل ما يضر الناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم.. ولذا كانت الأخوّة الانسانية صفة ملازمة للإيمان بالرسالات،إذ لا أخوّة بدون إيمان، ولا إيمان بدون أخوّة.. فالله تعالى يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

ويبدو أن الإمام السيد موسى الصدر كان سباقًا إلى تعزيز روابط الأخوة بين الرسالات السماوية وتجلى ذلك من خلال أقواله عن المسيحية وهو العارف بها والملمُ بكتابها وبحياة السيد المسيح(ع) وتعاليمه وهذه خطوة لا بدّ منها للحوار وهي أن يعرف المرء دين غيره في مصادره الأساسية لا من مصادره الذاتية، لكي يستخدمها في الحوار مع من هو في الدين الآخر،ليس انطلاقًا من إيمانه هو، بل كما يقدم الدين الآخر نفسه.

والامام الصدر يدعو الى إحترام التعددية الدينية والثقافية، والحفاظ على الخصوصيات الدينية، أما في موضوع الإنسان فيبدو ثائراً على الفكر الديني الجامد في المسيحية وفي الاسلام، داعياً الى إعادة الدور الاساسي الذي خلق الانسان من أجله، أي إعمار الأرض والعمل من أجل خير الانسان، الى أي دين او قوم انتمى.

وتبقى نظرة الامام الى الأديان كافة قابلة للتحقيق، من حيث ان الأديان وجدت لخدمة الانسان وكرامته. لهذا ينبغي العمل معا من أجل إعادة الاديان الى الهدف الذي من أجله وجدت، أي من أجل الانسان.

ويُعتبر الامام السيد موسى الصدر من كبار المجددين الذين انخرطوا في العمل من أجل الانسان وخيره ومن اجل إعمار الارض. فلم يكتف بالتنظيرات والكلام المجرَّد بل خرج الى ارض الواقع، وخاض في مشاكل الناس، وسعى الى ترجمة الرسالة الدينية الى الحياة. لذلك جاهد الامام من أجل الفقراء والمحرومين والمستضعفين، ومن أجل إحقاق وإعادة الكرامة الى الانسان أشرف مخلوقات الله. 

 وقف يومًا في كنيسة الكبوشيين، قبيل اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، ليعلن  ما يلي: "أن الاديان عندنا كانت واحدة، لان المبدأ الذي هو الله واحد والهدف الذي هو الانسان واحد. وعندما نسينا الهدف وابتعدنا عن خدمة الانسان، نبذنا الله وابتعد عنا فاصبحنا فرقاً وطرائق قددا، والقى بأسنا بيننا فاختلفنا ووزعنا الكون الواحد، وخدمنا المصالح الخاصة، وعبدنا آلهة من دون الله، وسحقنا الانسان فتمزق".

نجده في هذا النص ما يؤكد على ثوابت أربعة شكلت جوهر الاخوة الجامعة بين الإسلام والمسيحية وهي:

أ- الايمان المشترك المسيحي الاسلامي بالله الواحد ، ولو تعددت التعبيرات عن الله، فالله واحد لا يحده تعبير واحد. 

ب ـ الدين واحد ولو تعددت الديانات فنجده يتحدث عن ديانتين عالميتين تحملان رسالتين ويصل الى القول بـ"دين الله الحق". 

ج - ان الديانتين المسيحية والاسلامية جعلتا لخدمة الانسان وصون كرامته وحقه في الحياة الفضلى والسلام والمحبة والوئام، وجعلتا ايضا لاعمار الارض والنهوض بها. 

د- تدعو الديانتان الى قيم روحية ومبادىء خلقية مشتركة، وتدعوان الى التقارب بين المسلمين والمسيحيين والافادة المتبادلة من العبر على مبدأ القيم.
 
 وفي كلام آخر له يقول فيه:

 "اجتمعنا من اجل الانسان الذي كانت من اجله الاديان، وكانت واحدة آنذاك نلتقي لخدمة الانسان المستضعف المسحوق والممزق لكي نلتقي في الله كل شيء، ولكي نلتقي في الله فتكون الاديان واحدة". وبالنسبة اليه ايضا، "كانت الاديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد. دعوة الى الإيمان بالله وخدمة للانسان، وهما وجهان لحقيقة واحدة". مما يعني ان الايمان باللّه لا يكون حقيقياً الا اذا سبقه الايمان بأن الدين جعل لخدمة الانسان، لا الانسان لخدمة الدين، وبأن الدين الذي لا يرفع من شأن الانسان وكرامته ليس دينا الهياً، والله بريء منه الى يوم الدين. 

ويقول الامام الصدر في تأسيس القاسم المشترك بين الاسلام والمسيحية هو الانسان "هذا المخلوق الذي خلق على صورة خالقه في الصفات، خليفة الله في الارض، الإنسان هو هدف الوجود، وبداية المجتمع، والغاية منه،..". يستعمل الامام، هنا، تعبيرين لاهوتيين، الاول مسيحي والثاني اسلامي: الانسان المخلوق على  الله ومثاله، قمة الخلق في الرواية الكتابية (سفر التكوين ،1 26)، والانسان خليفة الله في الارض (سورة البقرة ،2 30) الذي سخر له الله الارض والسموات وجميع المخلوقات. 

نستخلص مما سبق من مايلي:

أ_ ثمة "رسالات سماوية" و"أديان سماوية والهية" غير الاسلام، والاسلام نقل عن هذه الرسالات السماوية بعض التعاليم والمرويات النافعة في التربية وترسيخ الايمان. 

ب_ تعددية الشرائع والمناهج الالهية، وهذا مبدأ قرآني بامتياز: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} (المائدة ،5 48). 

ج_  توافق الاخلاق الإسلامية مع غيرها من الاخلاق التي نشرتها الاديان السابقة.

ويقول الإمام الصدر: "الرسالات الالهية ذات اطوار ثلاثة تبدأ برسالة الضمير الانساني، تليها  الانبياء، وأخيرا رسالة التجارب المريرة والصعوبات والمشاكل التي يعانيها الانسان والتي هي محركات لدفع خلق الانسان الى الخير والكمال ثم يشرح بايجاز ما يقصده من الاطوار الثلاثة. فيعتبر ان الله، في الطور الاول،  للانسان فطرة سليمة وضميرًا واعيًا هو رسوله الاول (اي الضمير) يهدي الانسان سواء السبيل، ويشعره بأنه جزء من الكون يكمل بعض اجزائه ويكتمل بها ويستشهد بالآية القرآنية القائلة: {كان الناس أمة واحدة} (البقرة،2 21) 

وعندما سيطر الجهل على الانسان فانحرف صانعًا من نفسه ومن أسرته ومن قبيلته ومن عنصره أصناما عبدها وجعلها آلهة من دون الله الواحد، ثم الطور الثاني، طور الانبياء وذلك من خلال تعبير قوله تعالى : {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} (البقرة213). لقد بعث الله الرسل والانبياء لهداية الناس وارشادهم الى طريق الحق لكن الانسان جعل من الدين او المذهب مركبًا جديدًا للخلافات وتعبيرًا قويًا عن اهوائه وأنانياته، فاثار فتنًا وحروبًا ومشاكل وأزمات.

 ختامًا نقول أن تعدد الاديان عند الامام الصدر يقوم على مباني قرآنية وهو مجال مباراة الى "استباق الخيرات"، وهو كذلك مجال للتعارف: {يا ايها الناس انّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير} (الحجرات ،49 13).

ويعبر الامام عن الاختلاف بين الاديان، كما عبّر النبي محمد(ص) عن الاختلاف بين أبناء الدين الواحد حين قال في الحديث الشريف: "اختلاف امّتي رحمة". 

ولهذا يحتل السيد المسيح في فكر الامام موسى الصدر موقعاً مميزاً فهو الثائر على النظم الظالمة، ومحرر الانسان من جمود المجتمع الديني، وهو يشابه بنظره أبي عبدالله الحسين(ع) شهيد الأمة وفاديها ، وهذا ما أظهره الإمام الصدر في  رسالة له في ذكرى ميلاد السيد المسيح وذكرى عاشوراء يقول فيها : "وشاء ربك ان يستقبل لبنان بعد نهاية محنته الدامية مع ذكريات الهجرة وعاشوراء، ذكرى الميلاد المجيد وميلاد العام الجديد، ذكرى ولادة الايمان والسلام والفداء في حربنا التي لا يعالجها الا عزمنا النابع من الهام الفادي وفداء الحسين".

 بقلم رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان السيد علي السيدقاسم
captcha