ایکنا

IQNA

أشهر علماء المسلمين / 36

رحلة في تاريخ المخطوطات القرآنية

15:51 - November 27, 2023
رمز الخبر: 3493603
طهران ـ إکنا: يعدّ حفظ النص القرآني كما هو منزّل على النبي محمّد(ص) حقيقةً مُسلّمة لدى كل المسلمين، ولدى كثير من الباحثين. ومع ذلك، فقد اتخذ علماء القرآن أبحاثهم لدراسة تاريخ المخطوطات المبكرة للقرآن.

لعل من أهم الكتب المعاصرة التي تناولت موضوع المخطوطات القرآنية، كتاب "مصاحف الأمويين .. نظرة عامة أولية" (Qur’ans of the Umayyads: A First Overview) للباحث الفرنسي الشهير في المخطوطات القرآنية فرنسوا ديروش. ونظراً لأهمية هذا الكتاب، فقد صدرت ترجمة له مطلع السنة الجارية عن دار "نهوض" للدراسات والبحوث، تحت عنوان "مصاحف الأمويين: نظرة تاريخية في المخطوطات القرآنية المبكرة". ويعدّ هذا الكتاب من أهم الدراسات المعاصرة التي تسلّط الضوء على المخطوطات الأولى للنصّ القرآني.


 ويعد حفظ النص القرآني كما هو منزّل على النبي محمّد(ص) حقيقةً مُسلّمة لدى كل المسلمين. إلَّا أن البحث التاريخي الذي يعرضه الكتاب لا يقف عند هذه الحقيقة المعلومة، بل يأخذنا في رحلة مشوّقة في تاريخ المخطوطات القرآنية المبكّرة، والتي تعود إلى العصر الأموي، وربما إلى ما قبله.

فيدرس ديروش في بحثه أساليب كتابة تلك المخطوطات، وإعجام الحروف واختلاف شكلها بحسب الأقاليم والكُتّاب. كما يستدل من المخطوطات الأولى على أنواع الحبر والورق ومختلف المواد المستعملة في النسخ، ومراحل تطور فنون الكتابة عبر الأجيال، مؤكداً بذلك دور المخطوطات في إثبات مصداقية ما ورد في النص القرآني والتراث الإسلامي عبر المرويات والنقل الشفوي.

كما يقارن المؤلف بين العديد من المخطوطات القرآنية المبكّرة، وما مرّ بها من تغيّرات في حقبة زمنية وجيزة، من ناحية أسلوب إخراج الصفحة وتسطيرها وزخرفتها، والخط المستخدَم في كتابة النص القرآني، بالإضافة إلى نوع المادة التي يُسطّر عليها النصّ كالجلود والرَقّ وغيرها. وتتيح مقدمة الكتاب تلخيصًا للخطوط العريضة والمواضيع الرئيسة التي سيتم تناولها، مع التركيز بشكلٍ خاصٍّ على مسألة التأريخ؛ بمعنى آخر، كيف يكون المرءُ واثقًا مِن أنّ مخطوطة كتابيّة ما تنتمي فعلًا للعصر الأموي، وحيث إنّ الهوامش غالبًا ما تكون غير موجودة، خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الوريقات الأولى والأخيرة من المخطوطات عادة ما تكون مفقودة، فإنّ المرء بصدد البحث عن علامات توضيحية أخرى للاعتماد عليها، مثل: علم المخطوطات القديمة، فقه اللغة، تاريخ الفنّ، والتأريخ باستخدام تقنية الكربون المُشِعّ.

نسخ القرآن في الحقبة الأموية

في الفصل الأول من الكتاب، يتناول ديروش موضوع "نسخ القرآن في بواكير الحقبة الأموية كأقدم مجموعة مخطوطات قرآنية". حيث يركّز على واحدة من أوائل المخطوطات الأموية، إن لم تكن الأولى على الإطلاق، والتي تم الاحتفاظ بمعظم أجزائها في باريس وسان بطرسبرغ.

ويتناول في الفصل الثاني موضوع كتابة القرآن الكريم في مخطوطة حجازية (بالخط الحجازي). ويتأمّل فيه ديروش المصاحفَ الحجازية التي تسهم في فهم القواعد التاريخية لإنتاج المخطوطات القرآنية، ومن بين المخطوطات الواردة يركّز ديروش على ذكر ثلاث منهن باهتمام؛ واحدة محفوظة الآن في إسطنبول، وواحدة في لندن، وثالثة في سان بطرسبرغ.

كما يتناول الكاتب أيضاً مناقشة مخطوطات أخريات في كل من صنعاء في اليمن والقيروان في تونس. إذ يشير المظهر العام لهذه المخطوطات، وخاصة أسلوب الكتابة اليدوية، إلى أقدم مجموعة مخطوطات قرآنية، وهي تتطابق مع أساليب التدوين في كتابة المخطوطات في الفترة الأولى. ومن المرجح أيضاً أن تلك المخطوطات تعود إلى ما قبل الربع الأخير من القرن الأول، أي إلى ما قبل عام 695 للميلاد (في عهد عبد الملك بن مروان).

تغيّر شكل المصحف

وفي الفصل الثالث يناقش الكاتب موضوع “تغيّر شكل المصحف”. ويدرس فيه المؤلف بشكل خاص مخطوطتين كبيرتين ذات تنسيق عمودي، ما يوضح مرحلة لاحقة من تطوّر ضبط وتشكيل القرآن الكريم وإصدار المخطوطات. وهاتان المخطوطتان يصفهن الكاتب على أنهن "مخطوطات دمشق الأموية"، واحدة منهما محفوظة في إسطنبول والثانية المسماة بـ "المخطوطة الأموية للفسطاط"، محفوظة في سان بطرسبرغ وباريس.

وتظهر في المخطوطتين المذكورتين دوائر زخرفية واضحة جدا في الصفحات بين سور القرآن الكريم، وضمّت معظم تلك الزخارف أنماطاً نباتية من أوراقٍ منمنمة، وأنماطاً معمارية من خانات منمنمة أيضاً. ومن خلال تلك الأنماط يُمكن تأريخ تلك المخطوطات بأنها تعود إلى العصر الأموي.

ويصف ديروش أن الأمويين أصدروا برعاية رسمية المصحف الجديد (بتلك الزخارف)، بهدف تحدّي الكتاب المقدّس المسيحي الذي كان فاخراً في مظهره.

وتعدّ المخطوطات المذكورة الأبرز من بين مخطوطات رائعة قدّمها المؤلف في هذا الكتاب، والتي أراد من خلالها أن يبيّن للقارئ بأن المخطوطات الأموية المبكّرة للمصحف كانت أكثر ضبطاً ودقّة من المخطوطات السابقة.

المنسخ الإمبراطوري
 
ويرى المؤلف في الفصل الرابع (الأخير) الذي يناقش موضوع "المنسخ الإمبراطوري" أن ثمة مخطوطتين كبيرتين نالتا شهرة بين المتخصصين، الأولى وهي مخطوطة ضخمة محفوظة في دبلن، والثانية أقل ضخامة ولكن ربما كانت معروفة بشكلٍ أفضل، وأشار إليها المؤلف باسم "المخطوطة الأموية في صنعاء"، وهي محفوظة في صنعاء.

ويقول ديروش في النسختين: "إن كلًّا من نسخة صنعاء ومخطوطة دبلن قد تم إنتاجهما خلال العقود الأولى من القرن الثامن، تحت حكم الأمويين وربما في سياق رسمي. وفي هذه المرحلة من إنتاج المخطوطات الأموية، كان الاهتمام بالمظهر الفاخر للكتاب المقدّس  قد انعكس على المصحف من الداخل والخارج. فكان المصحف ذا حجم كبير (المظهر الخارجي)، ونصوصه كانت مكتوبة بشكل جميل (المظهر الداخلي)  وبذلك نشأت ثقافة حقيقية لشكل المصحف".

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

captcha