ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

لايمكن للحياة الإنسانية أن تنمو إن انعدم الاختلاف بين البشر

16:34 - January 19, 2023
رمز الخبر: 3489570
بيروت ـ إکنا: لا يمكن للحياة الإنسانية أن تستقيم إن كان البشر نُسَخاً مَكرورة عن بعضهم في كل شيء، لا يمكن أن تنمو وتتطوّرَ إن انعدم الاختلاف بينهم، لا يمكن أن تغنى وتثرى إن لم يتفاوتوا في القابليات والإمكانيات والقدُرات والمستويات العلمية والاجتماعية.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْنَّاسُ بِخَيْر ما تَفاوَتُوا".

تخَيَّل قارئي الكريم لو أنَّ جميع البشر على مستوى واحد من الثراء والغنى، جميعهم يملكون الملايين أو المليارات، يعيشون في قصور ضخمة مزخرفة، ويتنَقّلون في سيارات فارهة، وفي إمكانهم أن يشتروا أي شيء، وأن يحصلوا على أي شيء، ولكن مَنْ ذا الذي يُعِدُّ الطعام لهم، ويخبز الخبز، ويزرع الخضار، ويجني لهم الثمار، ويخيط لهم الأثواب ويغسلها، ويعينهم على جميع ما يحتاج فيه إلى العون؟!

وتخيَّل قارئي الكريم لو كان العكس، فكان جميع البشر فقراء لا يملكون شيئاً، وأُمِّيون لا يتعلموا شيئاً، فمَنْ الذي يعَلِّمهم، ويداويهم، ويطوِّر حياتهم، ومن ذا الذي ينشئُ المصانع والشركات، ومن ذا الذي يوَفّر لهم فرص العمل، وهكذا في مختلف حاجاتهم وضرورياتهم؟!

لا يمكن للحياة الإنسانية أن تستقيم إن كان البشر نُسَخاً مَكرورة عن بعضهم في كل شيء، لا يمكن أن تنمو وتتطوّرَ إن انعدم الاختلاف بينهم، لا يمكن أن تغنى وتثرى إن لم يتفاوتوا في القابليات والإمكانيات والقدُرات والمستويات العلمية والاجتماعية، الحياة الإنسانية يجب أن تقوم على التفاوت بين أفرادها كي يخدم بعضهم بعضاً، ويُفيد بعضهم بعضاً، ويُعين بعضهم بعضاً، هكذا قضت حكمة الله الخبير العليم الحكيم، وهكذا قضت رحمته بعباده.

قال تعالى: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"*﴿32/ الزُّخرُف﴾. التفاوت بين الناس سُنَّة إلهية اقتضتها رحمة الله وحكمته، والحكمة هي أن يتخادم البشر فيما بينهم، وأن يسَخِّرَ كل واحد منهما قدراته وطاقاته لخدمة سواه من البشر، فكلهم مُسَخَّر لخدمة الكل، فهذا مُسَخَّر لِيُعَلِّم، وذاك مُسَخَّر لِيُداوي، وثالث مُسَخَّرٌ ليصنع، ورابع مسخر ليبني، وخامس مسخر ليزرع، وسادس مسخر ليجلب البضائع، وسابع مسخر ليدافع عن الجميع، ولولا تفاوتهم ما تخادموا ولا تعاونوا ولا تكاملوا ولا حصلوا على حاجاتهم الضرورية، ولبقيت أعمال كثيرة جداً لا تجد لها مقابلا من الكفايات، ولا تجد من يقوم بها، والله الحكيم الذي خلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو، خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها، إذ لا أحد منهم يقدر أن يجمع في ذاته كل الطاقات والقدرات والقابليات، ولا الوقت المحدود يمكن أن يتسع لكل أحد أن يحصل فيه بذاته على جميع ما يحتاج إليه.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha